من أشهر التعابير «الطبية» الصحيحة التي تحرص على قولها
جميع الأمهات، هي أن وجبة الإفطار أهم وجبات اليوم على الإطلاق، وذلك
للفوائد المتعددة لتلك الوجبة، التي يمكن أن تمتد حتى للراغبين في إنقاص
الوزن (على عكس اعتقاد الكثيرين).
وجبة الإفطار
* من المعروف أن وجبة الإفطار تعطي الطاقة للجسم وتعتبر بمثابة الوقود
اللازم لممارسة النشاط سواء البدني أو العقلي. وتكتسب وجبة الإفطار أهمية
خاصة بالنسبة للأطفال والمراهقين، حيث إنهم يمرون بمرحلة النمو على
المستويين الجسدي والإدراكي.
وعلى الرغم من أن الكثير من الأطفال لا يرغبون في تناول وجبة الإفطار
بدعوى أنهم غير جائعين أو لانشغالهم في الدراسة واللعب، فإن لوجبة الإفطار
أثرها الإيجابي الكبير على صحة الطفل. وتنص توصيات الجمعية الأميركية
للتغذية American Dietetic Association على ضرورة الحرص على وجبة الإفطار.
وهناك دراسة أميركية حديثة أشارت إلى أن نحو خُمس الأميركيين فوق عمر عامين
في الأغلب لا يتناولون وجبة الإفطار بشكل منتظم، وهو ما يجعلهم يفقدون
كثيرا من العناصر الغذائية المهمة.
وطرحت نتائج تلك الدراسة في حلقة نقاش ضمن الاجتماع السنوي لمعرض معهد
تقنيات وتكنولوجيا التغذية Institute of Food Technologists. وأشارت إلى أن
18 في المائة من الأميركيين لا يتناولون وجبة الإفطار، كما أشارت أيضا إلى
أن من يتناولون وجبة الإفطار يحصلون على نحو 17 في المائة من إجمالي
احتياجهم اليومي من السعرات الحرارية وجزء كبير أيضا من الاحتياجات اليومية
للكثير من العناصر الغذائية المهمة مثل فيتامين «دي» (58 في المائة)
وفيتامين «بي 12» (42 في المائة) وفيتامين «إيه» (41 في المائة)، وهو ما
يؤكد أهمية وجبة الإفطار، وليس ذلك فحسب، بل في المقابل فإن الصغار الذين
لا يتناولون وجبة الإفطار يتناولون الأغذية التي تحتوي على السكريات، وكذلك
العصائر أكثر من أقرانهم، واتضح أن معظم هذا السلوك الصحي الضار يمكن
تجنبه بنسبة كبيرة بالنسبة لهؤلاء الذين يتناولون طعام الإفطار وأن السلوك
الصحي القويم بتناول وجبة الإفطار يمكن أن يكون له انعكاس إيجابي على تقليل
الإصابة بالبدانة.
وفي هذه الدراسة التي تناولت عددا من المراهقين الذين لا يتناولون طعام
الإفطار، تم تقسيمهم إلى 3 مجموعات؛ واحدة تظل كما هي لا تتناول وجبة
الإفطار، والمجموعة الأخرى تتناول وجبة إفطار تحتوي على كمية عادية من
البروتينات، والأخرى تحتوي على كمية عالية من البروتينات، وتم بعد ذلك قياس
الفترة التي يشعرون بعدها بالإحساس بالجوع، وكذلك قياس مستوى السكر بالدم.
وكانت النتيجة أن المراهقين الذين يتناولون إفطارا صحيا من أي نوع
يشعرون بالشبع ولا يكونون مضطرين لتناول مأكولات أخرى حتى وجبة الغذاء.
وكانت النتائج أكثر إيجابية في المراهقين الذين تناولوا الإفطار الذي يحتوي
على كمية كبيرة من البروتينات وهؤلاء استهلكوا في وجبة المساء نحو 200 سعر
حراري أقل من أقرانهم الآخرين. وحتى بالكشف على هؤلاء المراهقين بأشعة
الرنين المغناطيسي وجد أن الذين يتناولون طعام الإفطار تقل الإشارات المخية
لديهم التي تشجع على زيادة شهوة الأكل، ومن المعروف أن البروتينات من أكثر
العناصر الغذائية التي تساعد على الشعور بالشبع، على العكس من الأطعمة
التي تحتوي على الكربوهيدرات.
أنواع الأطعمة
* ويفضل بالنسبة لوجبة الإفطار أن تحتوي على البروتينات وكذلك الألبان
قليلة الدسم والفواكه المختلفة، ويجب أن تحرص الأم على أن يتناول الأطفال
وجبة الإفطار في المنزل. ويمكن إيقاظ الأطفال مبكرا قليلا حتى يتمكنوا من
تناول الإفطار، ويمكن أن تقوم الأم بالسماح للطفل بالمشاركة في إعداد
الإفطار، وكذلك يجب أن تحرص الأم على تناول وجبة الإفطار مع الأطفال لتعطي
قدوة جيدة لأطفالها.
ومن المعروف أن فترة الطفولة هي الفترة التي يبدأ الإنسان فيها في
التعود على العادات الصحية، ومن أهمها الحرص على وجبة الإفطار، خاصة أنه
تبين أن عدم الانتظام في الإفطار يرتبط بالكثير من العادات الصحية الضارة،
مثل التدخين أو شرب الكحوليات وعدم ممارسة الرياضة.
الإفطار والذكاء
* وفي السياق ذاته، أشارت دراسة حديثة أجريت في الولايات المتحدة
الأميركية قام بها باحثون من كلية التمريض بجامعة بنسلفانيا Pennsylvania
School of Nursing إلى أن الأطفال الذين يتناولون وجبة الإفطار بشكل يومي
يتمتعون بمعدل ذكاء أعلى، وتعتبر الأولى من نوعها التي تقيس تأثير وجبة
الإفطار على مستوى ذكاء الأطفال، وهذه الدراسة التي تم إجراؤها في الصين
على 1269 طالبا في عمر 6 سنوات (العمر الذي تنمو فيه القدرات اللغوية
والإدراكية للطفل بسرعة كبيرة) أشارت إلى أن الأطفال الذين يتناولون وجبة
الإفطار بانتظام يتمتعون بمعدل ذكاء أكثر من أقرانهم بنحو 4 درجات؛ سواء في
التمرينات التي تتطلب تفهما صوتيا verbal أو تدريبات الذكاء المعتادة،
وتبين تحسن أداء هؤلاء الطلاب في الفصول الدراسية وتمتعوا بتركيز أكثر من
أقرانهم، وتمتعوا كذلك بمهارات حل المشكلات، وكذلك التوافق بين الأداء
الحركي لليد والعين eye - hand.Coordination.
وتبين أن وجبة الإفطار بشقيها الغذائي والاجتماعي (في حالة تناول
الإفطار في المنزل أو المدرسة) تلعب دورا مهما، لأنه بعد فترة الصيام عن
الطعام نحو 8 ساعات (فترة النوم) تقوم وجبة الإفطار بما يشبه الوقود اللازم
لبدء النشاط اليومي، فضلا عن أن التفاعل الاجتماعي مع الوالدين أثناء
تناول الطعام يحفز المخ ويزيد من القدرات الإدراكية من خلال النقاش في
مواضيع مختلفة تزيد من المفردات اللغوية لدية ويكتسب أيضا المعلومات
العامة.
وكانت الجامعة نفسها (جامعة بنسلفانيا) قد أعدت دراسة في العام الماضي
أيضا عن فوائد وجبة الإفطار، وأشارت إلى أن تناول الإفطار بانتظام يساعد
الجسم في التخلص من التسمم من معدن الرصاص lead poisoning الضار على خلايا
الجسم، الذي ينتشر بكثافة في المدن الكبيرة نتيجة لانتشار المصانع المختلفة
وتلوث البيئة، وقد وجد أن الأطفال الذين يتناولون وجبة الإفطار بانتظام
يتمتعون بمستويات من الرصاص في الدم أقل من أقرانهم الذين لا يتناولون وجبة
الإفطار بنحو 15 في المائة.
وأوصت هذه الدراسة أن المدارس يجب أن تركز على أهمية وجبة الإفطار لما
لها من فوائد على القدرات الإدراكية للمخ، ويمكن أن تقوم بتأخير بداية
الفصول الدراسية لبعض الوقت الذي يتسنى فيه للطلاب تناول الإفطار بشكل
جماعي، أو يمكن أن تقوم باقتطاع وقت يخصص لتناول الإفطار في وسط اليوم
الدراسي، ويستحسن أن يتم تناول الإفطار في مكان معد خصيصا لهذا الغرض حتى
يستفيد كل الطلاب من وجبة الإفطار، وهو ما أكدته دراسة مسحية تناولت 1400
مدرسة في ولاية كاليفورنيا، أظهرت ارتفاع معدلات الأداء الأكاديمي للطلاب
المشاركين في تناول الإفطار بالمدرسة وتحسن درجاتهم في علم الرياضيات وتحسن
الأداء المعرفي والإدراكي cognitive performance والذاكرة القصيرة بمعدلات
أكثر من أقرانهم الذين لا يتناولون وجبة الإفطار.
ويمكن أن يكون تناول وجبة الإفطار في المدرسة الضمانة لتناول الأطفال
إفطارا صحيا ومتنوعا ويكفي للاحتياج اليومي من جميع العناصر الغذائية، خاصة
في الدول الفقيرة، التي لا يمكن فيها لبعض الأسر توفير التنوع الصحي لوجبة
الإفطار بالنسبة للطفل.