حفظ أسرار الناس خلق عظيم من أخلاق الإسلام وأمانة من الأمانات التي يجب على المسلم أن يحفظها
قال تعالى : " وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً. سورة الإسراء 34،
وقال تعالى : " وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ . سورة المؤمنون: 8.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم-' قال:
«إذا حَدَّثَ الرَّجُلُ الحَديثَ ثم الْتَفَتَ فَهِي أَمَانَةٌ. رواه الترمذي وحسنه•
معنى السر ومفهومه:
السر في اللغة اسم لما يُسر به الإنسان أي: يكتمه، وأصل الكلمة يدل على إخفاء الشيء وعدم إظهار
- السر :
هو الذي يفضي به إنسان إلى غيره، أو يطلع عليه بحكم معاشرته أو مهنته
ويستكتم عليه أو دلّت القرائن على طلب الكتمان، أو كان من شأنه في العادة
أن يُكتم، أو تضمن ضرراً، أو عيباً يكره اطلاع الناس عليه، أو تضمن إفشاؤه
الإفساد بينه وبين غيره.
واحفظ لسانك واحترز من لفظه *** فالمرء يسلم باللسان ويعطب
والسر فاكتمه ولا تنـطق بـه ***فهو الأسير لديك إذ لا ينشب
واحرص على حفظ القلوب من الأذى ***فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القـلوب إذا تنـافر ودهـا ***مثل الزجاجة كسرها لا يشعب
وكـذاك سر المرء إن لم يطوه ***نشرته ألسنة تزيد وتكذب
فالإسرار خلاف الإعلان، قال تعالى:{يعلم ما يسرون وما يعلنون}(سورة البقرة:77).
والسرّ ينقسم إلى أنواع:
1-
ما يبلغ الإنسان من الأمور التي يطلب صاحبها كتمانها عليه سواء طلب ذلك
صراحة، أو بدلالة الحال بأن يتعمد الحديث عنها حال الإنفراد مثلاً.
2- مايريد الإنسان عمله مما تدعو المصلحة إلى كتمانه.
3- ما أمر الشرع بكتمانه وعدم إذاعته.
4- ما كن الأصل إخفاءه واطلع عليه شخص بسبب مهنته.
وموضع ما يعنينا في هذا المقام هو الرابع منها أصالة، وبقية الأنواع معنيّة تبعاً.
الأصل في حكم إفشاء السر:
إنّ
ما أمر الشرع بكتمانه فحكمه ظاهر باعتبار فهم دلالة الخطاب الشرعي، ومن
ذلك: ما يجري بين الرجل وامرأته حال المعاشرة من أمور الاستمتاع.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنّ من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سره
أما
كتمان الإنسان عملاً يريد القيام به فهذا من الحزم مع النفس، لكن لا
يرتبط به حكم تكليفي، فللإنسان أن يتحدث عن مشاريع مستقبلية يعتزم القيام
بها، وليس عليه في ذلك حرج.
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان). صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (943).
أما ما يطلب الإنسان كتمانه مما يبلّغ به غيره، فإنه إذا كان إفشاء السر يتضمن ضرراً فإفشاء السر حرام، باتفاق الفقهاء، والضرر عام في كل ما يؤذي الإنسان.
وأما إذا لم يتضمن ضرراً فالمختار عدم جواز إفشائه متى ما طلب منه الكتمان، أو دّل الحال على ذلك، أوكان مما يُكتم في العادة.
وكل هذا حال الحياة أما بعد موت صاحب السر فذهب بعض أهل العلم إلى جواز إفشائه إذا لم يتضمن غضاضة على الميت.
والظاهر أن إفشاء السر لا يجوز سواء حال الموت أو الحياة، وسواء تضمن ضرراً أو لا. لأن هذا من قبيل حفظ العهد وهو كالوديعة التي يجب حفظها.
قال تعالى: {يا ايها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} (سورة الانفال: 27).
عن أنس رضي الله عنه قال: مرّ بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الصبيان فسلّم علينا ثم دعاني فبعثني إلى حاجة له، فجئت وقد أبطأت عن أمي، فقالت:
ما حسبك؟ أين كنت؟ فقلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاجة،
فقالت: أي نبي وما هي؟ فقلت: إنها سر، قالت: لا تحدث بسر رسول الله صلى
الله عليه وسلم أحداً. صحيح البخاري، كتاب الاستئذان، باب حفظ السر، برقم 6289، صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أنس بن مالك برقم 2482.
وقد سمّى النبي صلى الله عليه وسلم السر أمانة، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حدّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة).
سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في نقل الحديث برقم 4868، سنن الترمذي،
كتاب البر والصلة، باب ما جاء أن المجالس بالأمانة، برقم 1959، وقال حديث
حسن مسند الإمام أحمد (3/324)، السنن الكبرى للبيهقي (10/247)، وحسنه
الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (486)
تحريم نشر السر:
وهو
ما يطلب المخبر به كتمانه، أو ما تدل القرينة على سريته مثل أن يخبر به
حال الانفراد أو خفض الصوت، أو ما كان من شأنه الكتمان كالمعايب عموماً ،
أو ما كان فيه مضرة به.
إفشاء السر محرم في الأصل، ويزداد التحريم إن تضمن إفساداً أو ذكراً لعيب فيه.
فإنه يباح إفشاء السر فيما يلي:
1- إذا أذن صاحب السر – وكان الحق يختص به –
2- إذا كان عدم الإفشاء يتضمن ضرراً يلحق المجتمع، أو يضر بفرد منه ضرراً أكبر من ضرر صاحب السر.
إذ حفظ السر من الأمانة الواجب حفظها. والإخلال بها من علامات النفاق.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اوتمن خان).صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب علامات المنافق، برقم 33، صحيح مسلم، كتاب الإيمان ، باب بيان خصال المنافق، رقم 59